ــــــــــــــــــ
مقال/ أحمد عوضه
.
تبًا لمواقع التواصل الاجتماعي! إنها تسرقنا من ذواتنا وتجعلنا بلهاء وأشقياء أكثر مما ينبغي. لا شك أنها نعمة عظيمة ونقلة إعجازية في عالم الاتصال الافتراضي، لكنها حرمتنا من الاحتفاء بلحظاتنا الإنسانية الدافئة، وأخذتنا بعيدًا نحو نوعٍ من الإدمان المرضي.
فظيع هذا النوع من الإدمان وهو يحقن أعصابك بالدوبامين، سائقًا إياك نحو زاويةٍ سوداء من “الاغتراب الوجداني”؛ أن يمسك أحدهم جواله لساعات غير مدرك لما يدور حوله هو نوعٌ من الاستلاب غير الواعي، عزلة اجتماعية طوعية يفرضها المرء على نفسه؛ يهدر وقته عبثًا في تصفح أشياء لا فائدة ترتجى من ورائها. مجرد قتل شنيع للوقت.. في هذا الوقت بإمكانك القيام بأشياء جميلة، قد تطور من نفسك، قد تكتسب مهارة جديدة، قد ترتب أشياءك وتستعد ليوم جميل.
أعراض هذا الإدمان تجعلك تشعر بحالة من الإذعان اللاإرادي للالتصاق أكثر بجهازك الذي أوسعته فرْكًا، بالعجز، بعدم القدرة على الإنجاز، بعدم الرضاء، بعدم الطمأنينة، بعدم الأمان، بعدم الحب، حتى حبك لنفسك سوف يتراجع يومًا بعد آخر!! تبدأ الأعراض تجتاحك رويدًا رويدًا إلى أن تبغض نفسك؛ لأنك لست مثل الآخرين الذين يشاركون أجمل قصصهم، لأنك لا تملك يختًا، لأنك لم تصبح لاعبًا محترفًا ومهاجمًا في نادٍ أوروبي، لأنك لم تفز بجائزة دولية أو على قدّ الحال، لأنك لا تواعد فتاة بمواصفات صديقة رونالدو… تبدأ كل أحلامك التافهة في طفولتك تبرز إلى السطح، ثم لا تلبث أن تتراكم في شكل احباطاتٍ وسخط واكتئاب ونقمة على كل من حولك!
ما يفسد سعادة الانسان الحديث هو نمط الحياة اللاهث نحو البريق، نحو الاشباع اللحظي، نحو اللذة الكاشفة للمنزع الأناني في ذواتنا، في آدميتنا الهشة.. إنها فجوة افتراضية نعبرها بالمقارنات التي لن تنتهي أو تقف عند حدٍ. تنظر حولك مأخوذًا بالزَّبَد الذي يبرق على السطح؛ تسحق عقلك ووجدانك في فجوة المقارنات.. كل يوم لأحدهم قصة؛ أحدهم ينشر رحلة قام بها إلى الكاريبي، وأخرى تحتفل بعيد ميلادها في موكبٍ وهيلمان، وآخر حصل على منحة لدراسة الطب في جامعةٍ عالمية تضج بالأماليد الشُّقر والتنانير القصيرة، وآخر حصل جائزة، وآخر لديه متابعين بعدد سكان دولة البحرين، وأخرى عقدت قرانها على شهبندر التجار، وأخرى أهداها عشيقها المغترب هديةً سعرها أثمن من قيمة كليتيك معًا…
تنظر وكأنه حال الناس جميعًا، وأنت تدور على نفسك. وكل يوم يمر تترسخ قناعاتك أنك الكائن الأشقى على وجه هذه الأرض، وتعتقد خطأً أن كل الناس يعيشون سعادة فارهة وحظًا وافرًا سواك.. قد يكون كل واحد فيهم يعيش يومه الأجمل طوال العام، وربما يعيش فرصة عمره الوحيدة.. أنت أيضا عشت أياما ووافتك الحظوظ. وربما يظن أحدهم الآن أنه ليس محظوظًا مثلك!
هي أيام تتداول بين الناس؛ ليس ما تراه هو كل حياتهم، إنما هو الجانب الأجمل الذي لا يظهر أمامك منه إلا بمقدار ما يظهر الجزء العائم من جبل الثلج.
